فهد عريشي
كانت ملامح الندم تبدو في عينيه, والحزن أول انطباع تستنتجه وأنت ترى خطواته الثقيلة كانا الندم والحزن قد أجهدا قلب عبدالباسط خيبة أمل كبيرة تصيبه كلما طرق باب إحدى الجامعات لإكمال دراسته, كان الرد موحد وكأنهم قد عقدوا اجتماعاً لصياغة الرد على طلباته بالالتحاق بجامعاتهم.كانوا يتعمدون الرد عليه بالصياغة الموحدة: (( معدلك التراكمي بالثانوية لا يسمح لك بالالتحاق بالمقاعد الجامعية))عبدالباسط الشاب ا لسعودي الوسيم رغم ألمه وحزنه كان يجيد فن التعامل مع الفشل وكأنه قد ألتحق بجامعة الحياة تخصص متعة الفشل .
لم يدع وقتا طويلا يمر حتى بدأ يركض نحو البحث عن وظيفة وهو يقول لنفسه جامعة النجاح لا تشترط الحصول على درجات عاليه للالتحاق بها, فقط تشترط أن تكون جديرا بها وتجيد فن التعامل مع الفشل.
في أثناء بحثه عن الوظيفة أصيب أحد أقاربه القريبين إلى قلبه لحادث مروري شنيع سبب له عجز كامل, وكعادته عبدالباسط الشاب المحبوب من الجميع .تطوع لخدمة قريبه ومرافقته بالمستشفى, رغم معارضة أخوة ووالد قريبه لكنه أصر عليهم بقوله كنت معه في وقت الرخاء والآن في شدته يجب أن أكون بجواره ,وبات يقضي أيامه ساهرا مع قريبه يعتني به في مدينة الأمير سلطان الإنسانية, ومع ساعات الصباح الأولى كان يأتي والد قريبه ليذهب هو ممسكا ملفه الأخضر للبحث عن الوظيفة.ولم يمر وقت طويل حتى تم إعلان أسمه في أحد الصحف المحلية صمن قائمة المقبولين في أحد القطاعات العسكرية,كان يشعر بفرحة غامرة وهو يطمئن أمه على مستقبله الذي قلقت عليه كثيرا ,أخبر الجميع بعد ذلك وسمع منهم التبريكات والتهاني بالوظيفة,كان فقط ينتظر موعد الدورة العسكرية الذي لن يتأخر كثيرا وأستغل فترة انتظاره في مرافقة قريبه بالمستشفى.كان شتاء الرياض شديدا أصاب عبدالباسط بالحمى وبنوبة برد أظطرته لمغادرة صديقة مؤقتا إلى أن تخف عنه الحمى ,في نفس الليلة التي غادر فيها المستشفى شاءت الأقدار أن تجعله يتذوق مرارة الفشل مرة أخرى ,ولكن فشله هذه المرة لم يكن له يد فيه إنها إرادة الله ,,تعرض لحادث دهس من سيارة متهورة يقودها طفل سلمه أباه المفتاح عن عمد بحجة أن يأتي باحتياجات المنزل من السوبر ماركت القريب من المنزل.أذهلني عبدالباسط والدماء مازالت على جبينه في قسم الطوارئ وهو يصر علي بأن أتي له برجل الأمن المسئول عن الحادث لكي يوقع إقرار تنازله عن الطفل وهو يردد :الولد ماله ذنب أنا من فاجأته بعبوري للطريق دون أن انتبه وهذا قضاء الله وقدره ,وبالفعل كان له ما أراد وبعد ما تأكد مني بأن الطفل عاد إلى منزلهم أستسلم لنوم عميق .بدأت الدورة العسكرية وهو مازال طريح الفراش يعاني من كسر في مفصل رجله ركبته ويحتاج إلى عمليه وعلاج طبيعي طويل لكي يستطيع أن يعود للمشي بشكل طبيعي مره أخرى
توقعت بأن عبدالباسط انتهى بعد ذلك الحادث لا أعلم ماذا سوف يفعل فعمله الذي قبل به لن يقبلوه بعد تعرضه لهذا الحادث ومستقبله بشهادة الثانوية لا يكفي طموحه.لكن من يجيد متعة الفشل له كلمة أخرى,لم يمضي وقت طويل حتى فأجأني عبدالباسط بدعوة لافتتاح مشروعه التجاري الذي حصل عليه بدعم من بنك التسليف السعودي ,حضرت حفل الافتتاح ,صافحته بحرارة وهو يقف منتشيا بوسط مشروعه التجاري متكئا على عكازه ,قابلته بعدها صباح عيد الفطر المبارك كان في كامل أناقته كالعادة رغم العكازيين التي سيطول استخدامها ,ابتسم لي هامسا للتو خرجت من المشروع التجاري الزبائن رغم أنه صباح العيد ولكن مازالوا يتوافدون , لم أستطع النوم أمس كنت واقفا طوال الليل بالمشروع أشعر بالإرهاق.عبدالباسط لم يستسلم للفشل , ما أن يسقط حتى ينهض مرة أخرى لأنه يجيد التعامل مع الفشل,ويجيد فن متعة الفشل ,وأخيرا فتحت له جامعة النجاح أبوابها وسمحت له بالالتحاق بمقاعدها دون أي شرط سوى أن يكون جديرا بها ويجيد فن متعة الفشل .لكي ننجح ليس علينا أن نتحاشى الفشل ولكن علينا أن نستمتع بالفشل ونجيد التعامل معه
ونجعل من كل فشل في حياتنا نقطة تحول لنجاح لا ينتهي.